أمن أوروبا ـ ما هي مهام “مفوض الدفاع” في الاتحاد الأوروبي؟

خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات  ـ ألمانيا وهولندا ECCI

لقد اكتسبت فكرة إنشاء حقيبة لمفوض الدفاع في الاتحاد الأوروبي، والتي يطلق عليها أحيانا مفوض صناعة الدفاع، زخما منذ أن أعلنت عنها أورسولا فون دير لاين باعتبارها وعدا لولايتها الثانية كرئيسة لمفوضية الاتحاد الأوروبي. تبلغ الميزانية المخصصة لهذا المنصب “عشرات المليارات من اليورو”، وهو مبلغ باهظ مقارنة بمجالات أخرى. على سبيل المثال، تبلغ ميزانية برنامج ” EU4Health” حوالي 3.5  مليار يورو فقط على مدار الفترة 2021-2027 بأكملها.

على الرغم من أن منصب مفوض الدفاع المقترح يُقدَّم كوسيلة لتنسيق الإنفاق على الأسلحة والمشتريات بين الدول الأعضاء السبع والعشرين بشكل أفضل، إلا أنه في الواقع سيكون ببساطة هدية أخرى لصناعة الأسلحة التي تستفيد بالفعل بشكل كبير من العسكرة السريعة للاتحاد الأوروبي.

الإنفاق العسكري المتزايد

إن الفكرة السائدة بأن صناعات الأسلحة الأوروبية تعاني من نقص في التنسيق والكفاءة لا يمكن حلها إلا من خلال ضخ المزيد من الأموال هي فكرة تناسب قادة هذه الصناعات تمامًا. ومع ذلك، فإن هناك شيئا واحدًا لا يفتقرون إليه بالتأكيد وهو التمويل.

لقد ارتفع الإنفاق العسكري للدول الأوروبية (بما في ذلك روسيا) بشكل كبير على مدى العقد الماضي وزاد بنسبة 16 % في عام 2023 إلى 552 مليار يورو، وهو مستوى غير مسبوق منذ الحرب الباردة. وفي الوقت نفسه، في نفس العام، زاد الإنفاق العسكري للاتحاد الأوروبي (باستثناء إنفاق الدول الأعضاء) بنسبة 47.6 % إلى 8.15 مليار دولار (7.67 مليار يورو) وهو رقم غير مسبوق.

إن الإنفاق المتزايد للاتحاد الأوروبي يفيد في المقام الأول صناعة الأسلحة، وبشكل أساسي مجموعة محدودة للغاية من شركات الأسلحة الكبيرة. وشهدت دورة الميزانية 2021-2027 تقديم صندوق الدفاع الأوروبي بما يقرب من 8 مليارات يورو لدعم البحث والتطوير في مجال الأسلحة. مع إنشاء مرفق السلام الأوروبي خارج الميزانية (EPF) في عام 2021، بدأ الاتحاد الأوروبي، من بين أمور أخرى، في تمويل المعدات العسكرية لاستخدامها في مناطق الحرب.

تم تجديد مرفق السلام الأوروبي عدة مرات منذ حرب أوكرانيا وتضاعفت ميزانيته الأولية بأكثر من ثلاثة أضعاف إلى 17 مليار يورو. خصص قانون دعم إنتاج الذخيرة لعام 2023 (500) مليون يورو لإنتاج الذخيرة، في حين يوفر قانون تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية من خلال قانون المشتريات المشتركة (EDIRPA) 310 مليون يورو للشراء المشترك للأسلحة.

وفقًا لاقتراح من المفوضية، من المفترض أن تحل خطة الاستثمار الدفاعي الأوروبية (EDIP) محل الأداتين الأخيرتين بميزانية مقترحة تبلغ 1.5 مليار يورو والتي ستعمل كصندوق انتقالي حتى نهاية دورة الميزانية الحالية في عام 2027، وبعد ذلك يمكن توقع برنامج أكبر

في عام 2019، أنشأ الاتحاد الأوروبي المديرية العامة لصناعة الدفاع والفضاء (DG DEFIS) التي تدير حاليا أنشطة المفوضية المتعلقة بصناعة الأسلحة والفضاء. وهي تقع تحت قيادة مفوض السوق الداخلية تييري بريتون الذي يشرف أيضا على صناعات أخرى.

إن تحديد صناعة الأسلحة باعتبارها تستحق مفوضا خاصا بها من شأنه أن يمنحها أهمية غير مستحقة مقارنة بالقطاعات الأخرى التي هي في الواقع أكثر أهمية للتنمية الاقتصادية للاتحاد الأوروبي ورفاهية شعبه.

وعلى عكس ما يوحي به لقب “مفوض الدفاع”، فإن مسؤولية الاستراتيجية العسكرية للاتحاد الأوروبي ستظل تقع على عاتق الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية (HRVP)، في حين أن سلطات القرار النهائي بشأن الميزانيات الوطنية والمشاريع واسعة النطاق تخضع لحراسة مشددة من قبل الحكومات الوطنية.

وعلى هذا فإن المحفظة الجديدة سوف تعمل في الأساس كوسيلة لفون دير لاين لإعطاء الانطباع بأن الاتحاد الأوروبي “جاهز للدفاع”، في حين تعمل على توجيه المزيد من الأموال إلى المجمع الصناعي العسكري.

إن تهميش الاتحاد الأوروبي لدوره الدبلوماسي لصالح نهج “القوة الصارمة” ودعمه الأعمى لصناعة الأسلحة يضعه على مسار خطير، لأن هذه الصناعة ليس لديها مصلحة في السلام أو الأمن. إنها قد تستفيد من إطالة أمد الحروب مثل تلك الدائرة في أوكرانيا، وكذلك من تصدير الأسلحة إلى مناطق الحرب مثل غزة.

داخلياً، يواجه سكان الاتحاد الأوروبي أزمات متعددة تحتاج إلى اهتمام قادته ــ من تغير المناخ إلى تكاليف المعيشة إلى الإسكان. إن سوء إدارة هذه القضايا يغذي صعود اليمين المتطرف في مختلف أنحاء القارة. ومن الأفضل لساسة الاتحاد الأوروبي أن يركزوا موارد الاتحاد حيث تشتد الحاجة إليها بدلاً من الاستثمار في المزيد والمزيد من الحروب.

رابط مختصر …  https://www.europarabct.com/?p=95797